الأربعاء، 26 مارس 2008

صحيفة الوطن السعوديةالأحد 15 ربيع الأول 1429هـ الموافق 23 مارس 2008م العدد (2732) السنة الثامنة
ميمري تضرب مجدداً .. وتترجم للكتاب السعوديين بانتقائية

للكاتب :سعود عبدالعزيز كابلي

باحث في العلاقات الدولية

تحدثت في أول مقال لي "معهد ميمري - مؤامرة إسرائيلية حديثة" عن هذه المؤسسة والدور الذي تقوم به من مراقبة الإعلام في الشرق الأوسط والقيام بترجمة المواد الإعلامية إلى اللغات الغربية وخاصةً الإنجليزية. تتضمن هذه المواد مقالات صحفية وأخباراً وبرامج تلفزيونية، والشريحة الأساسية المستهدفة من خدمات هذا المعهد هي صانعو القرار والخبراء والأكاديميون والصحفيون في العالم الغربي وخاصة الولايات المتحدة والذين تشكل لهم اللغة عائقاً في التواصل مع الإعلام الشرق أوسطي. وبالتالي فما تقوم ميمري بترجمته فإنما يؤثر بشكل كبير على هذه الشريحة في فهم المنطقة وإعلامها و من ثم تكوين الصورة والانطباعات عنها خاصة أن الحكومة الأمريكية أصبحت تعتمد عليها كأحد مصادر المعلومات. ورغم أن المعهد مهتم بإعلام الشرق الأوسط وهو ما يعني الدول العربية إضافة إلى تركيا وإيران - ويفرد المعهد على صفحته الإلكترونية قسماً خاصاً بكل دولة - إلا أنه يغيب عنها وجود قسم خاص بالإعلام الإسرائيلي.مرد هذا الغياب أن معهد ميمري هو في الحقيقة صنيعة إسرائيلية، وإن تم إخفاء هذا الربط، فمؤسس المعهد هو العقيد إيغال كرمون وهو ضابط استخبارات سابق بقوات جيش الدفاع الإسرائيلي، وقد أوردت في مقالي السابق شرحا عن المعهد تضمن أبرز الانتقادات التي وجهت له منها أن المواد التي تختارها ميمري إما أنها تخدم الأجندة الإسرائيلية بطريقة مبطنة أو أنها تعكس صورة سيئة عن العرب، إضافة إلى أنها لا تقوم في المقابل بترجمة المواد الإعلامية الإسرائيلية والتي تعكس التطرف الإسرائيلي.ولكي نتخيل حجم التأثير الذي تقوم به، فلنفترض جدلاً أن مؤسسة ما في السعودية تختص بمراقبة إعلام الدول الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى. وهي دول لا يعلم الكثير من السعوديين عنها شيئاً إضافة إلى وجود انطباعات مشوشة عنها وصور نمطية مترسخة مثل أنها دول ترزح تحت الفقر والمجاعات والأمراض والفساد والحروب الأهلية ويحكم كل دولة دكتاتور وأن شعوبها دموية يعيشون في الأدغال وينحدرون من سلالة آكلي البشر، وهذا ليس تهويلاً، فهذه الانطباعات موجودة عند أطفالنا وتعززها الماكينة الإعلامية العالمية. إذا قامت هذه المؤسسة المفترضة بنقل أخبار وتقارير وترجمة مواد إعلامية تبرز هذه الجوانب دون الجوانب الأخرى الخاصة بوجود حركة تنمية وديموقراطية في العديد من الدول هناك فإن الصورة الآنفة سوف تتأكد. السؤال الآن: ما هي الصورة النمطية التي يملكها عنا الغرب و خاصة الولايات المتحدة وخاصة صانعو القرار فيها من رجال كونجرس وسياسيين وإعلاميين وأكاديميين؟ الكثير من القراء يملك إجابة هذا السؤال فصورتنا المشوهة في الغرب أصبحت مما يعرف معرفة بالضرورة.من آخر ضربات ميمري إيرادها في 6 فبراير 2008 لقصة "فتاة ستاربكس" والتي احتجزها رجال الهيئة في الرياض بتهمة الخلوة. و دون الدخول في تفاصيل القصة فإن المهم هو الأثر الذي ينعكس في العالم الغربي من إيراد مثل هذه الأخبار - خاصة أن ميمري تحاول دائماً التركيز على ما يبين الغلو الديني وبالذات فيما يخص المرأة. فقد قاموا من قبل في 7 نوفمبر 2007 بترجمة مقتطفات من برنامج رمضاني ديني على قناة (إل.بي.سي) للشيخ محمد العريفي يقوم في هذه الحلقة بشرح مفهوم ضرب المرأة في الإسلام إلى مجموعة من الشباب. وقد يبدو خطاب الشيخ العريفي مألوفاً لنا جميعاً وهو ليس أول من أورده، ولكن حين متابعتي للقطات المعروضة واضعاً في تصوري مخيلة وعقلية المشاهد الغربي فإنني استطعت أن أفهم المنطق الذي يدفعهم إلى النظر لنا بتلك الصور النمطية السيئة. خبر آخر أوردوه في 5 أكتوبر 2007 هو فتوى بعض العلماء بتحليل أو تحريم زيارة الأهرامات بمصر. وهم اقتبسوا تلك الفتاوى من مواقع إلكترونية كموقع "نور الإسلام" والذي أفتى فيه الدكتور محمد الخضيري - الأستاذ بجامعة القصيم - بجواز زيارة القبور للاتعاظ. كما أوردت فتوى الدكتور علي بخيت الزهراني - الأستاذ بجامعة أم القرى - على موقع "الإسلام اليوم" والذي أفتى فيه بجواز الزيارة مع كراهة الاختلاط فيه. أما الفتوى الأكبر فكانت للشيخ ماهر القحطاني على موقع"معرفة السنن والآثار"والتي أفتى فيها بحرمانية زيارة الأهرامات. أنا لست بصدد مناقشة الفتاوى أو تحليلها، وهي في الغالب جزء من العديد من الأسئلة والفتاوى المطروحة على المواقع الإلكترونية وهي ليست بتلك الأهمية للوقوف عندها،وهذا هو مربط الفرس. فميمري أظهرت تلك الفتاوى وكأنها جزء من حوار اجتماعي وكأن أكثر ما يشغل بال المفكرين في تلك الفترة هو حرمانية زيارة الأهرامات من عدمها. ميمري لها أيضاً دور فعّال في اختيار المواضيع و في المونتاج الذي تقوم به لاختيار المقتطفات من البرامج. فعلى سبيل المثال هم شديدو التركيز على مقالات الأستاذة وجيهة الحويدر المطالبة بحقوق المرأة، مرسخين بذلك في الوجدان الغربي الانطباع السائد عن اضطهاد السعوديين للمرأة. وأنا هنا لا أنتقد الكتاب والمفكرين الذين ينطلقون في مقالاتهم من الشعور الوطني ومن السعي نحو تحسين مجتمعاتهم وبيئتهم. كيف لا وميمري قد قامت بترجمة ثاني مقالاتي"رجاء الصانع في إسرائيل"والذي وجهته في الأساس لانتقاد ميمري وللدعوة لإنشاء أقسام للدراسات العبرية في جامعاتنا لدراسة إسرائيل فكريا وثقافياً للتصدي لها و ذلك بعد مشاهدتي لبرنامج حواري على القناة الإسرائيلية يتحدث عن رواية "بنات الرياض" وكأن المحاور هو مثقف سعودي لا إسرائيلي.قام مقص ميمري باستئصال جزء كبير من مقالي والخاص بانتقادها وظهر المقال وكأنه يعطي إسرائيل أكثر مما تستحق.هذا الأسلوب في المونتاج والتحوير هو جزء من اللعبة التي تقوم بها ميمري،ففي 9 نوفمبر 2007 قاموا بترجمة مقال الأستاذ جمال خاشقجي "المملكة لشيعة العراق وإيران لسنتهم" وقد ورد في المقال انتقاد لإيران كما للولايات المتحدة ومجلس الأمن،ولكن الجملة التي انتقدت فيها الولايات المتحدة كونها المتسبب في الحرب وسكوت مجلس الأمن عن ذلك وأعطت المقال توازنا من جهة موقفنا السياسي تم حذفها. و يبدو أن لـ ميمري ولعاً بكتاب الوطن، فقد قاموا مؤخراً في 31 يناير 2008 بترجمة عمودين للأستاذة حليمة مظفر "ماذا يجري في مدارس البنات؟" و"من يدق الجرس بمدارس البنات؟" والتي انتقدت فيه ثقافة الموت في المدارس، ولا يمكن إنكار وجود العديد من المشاكل الاجتماعية وخاصة في المدارس وكذلك أهمية طرحها وشجاعة الكتاب في ذلك، ولكن ميمري تستخدم ذلك النقد لتعزيز الصورة النمطية. فكيف يعقل أن يكون آخر أربع مواد ترجمتها هي برنامج حواري للأستاذة وجيهة الحويدر في 13 يناير 2008 على قناة الحرة انتقدت فيه وضع المرأة ثم عمود الكاتبة حليمة مظفر ثم خبر "فتاة ستاربكس" ثم آخراً في 8 فبراير 2008 أوردوا مقالة للكاتبة دانية آل غالب في جريدة "المدينة" بعنوان "بنت بلادي" والتي اعتبرت فيه الأستاذة دانية أن المرأة السعودية دائماً مذنبة من منظور المجتمع. و من قبل ذلك نشرت ميمري تقريرا خاصاً في 19 أكتوبر 2007م حول الانتقادات الموجهة للخطاب الديني في السعودية، وقالت إن الكتاب في الصحافة السعودية قاموا مؤخراً بتوجيه انتقادات للخطاب الديني وخاصة لخطب المساجد والتي تغذي الإرهاب. ومن ثم استعانوا بترجمة لعدد من المقالات التي ظهرت في صحيفة الوطن وهي مقال الأستاذ خالد الغنامي "التكفير ملة واحدة" ومقال الأستاذ عبدالرحمن اللاحم "منابرنا والشحن الطائفي" ومقالي الأستاذ سعود البلوي "فحوى الخطاب الإسلامي" و"ضرورة نقد الخطاب الديني". ما تقدمه الصحافة من أخبار وما يكتبه الصحفيون من نقد اجتماعي وسياسي تقوم ميمري باستخدامه لغير الأهداف التي كتب من أجلها و إن ادعت أنها تنقل وتترجم ما يكتب بشفافية، فعامل الاختيار بين كل ما يكتب وتحوير الصورة التي يكتب من أجلها، إضافة لإبرازها الجانب الذي يدعم الصورة النمطية السيئة عن العرب في الوجدان الغربي دون الصورة الجيدة كلها عوامل ساهمت في جعل ما تقوم ميمري بترجمته لا يصب في مصلحتنا بتاتاً بل ينقص من أرصدتنا في الغرب.إن النقد الاجتماعي لا يجب أن يتوقف بأي حال من الأحوال لأنه جزء من الحراك الثقافي الذي يصب في مصلحة الوطن وأبنائه أولا وآخراً. ولكن ما يهم طرحه هو أن المخيلة العربية والتي تشبعت بأفكار "نظرية المؤامرة" و"بروتوكولات حكماء صهيون" والتي ترى ارتباطا أزلياً بين ما نعانيه من مشاكل و بين التخطيط الذي ينتمي إلى ما وراء العقل يجب أن يتوقف ذلك أن ما تقوم به ميمري من خطوات متناهية في الصغر ولكن بفعالية كبيرة إنما هو مثال حي على التخطيط الحاضر والذي يقوم به أشخاص ليسوا أقل منّا في شئ. لماذا لا تشجع الحكومة مبادرات من قبيل إنشاء معهد مماثل يقوم بطرح الرؤية المتوازنة لإعلامنا و يفضح في المقابل العنصرية الإسرائيلية في إعلامها أمام الرأي العام العالمي. ولماذا لا يقوم رجال الأعمال بالتبرع لمثل هذه الأفكار ولماذا لا تدعم المؤسسات الإعلامية من صحف وقنوات إنشاء مثل هذا المعهد. لدينا المال و لدينا الشباب المتحمس وهما عنصران إذا مزجا بفعالية لن يقف في وجهنا شئ. فماذا ننتظر؟ * باحث في العلاقات الدولية
حقوق الطبع © محفوظة لصحيفة الوطن 2007
window.print();

هناك تعليقان (2):

فيروز الصبحي يقول...

الموضوع صدمني جدا في محاولة تشويه العرب والاسلام لكن يجعل تدبيرهم تدميرهم

هناء ألطف يقول...

وهذا مايسمى بالغزو الفكري, على الصعيدين الشرقي والغربي.
فهم بذلك يشوهوا صورة العرب, وبالأخص المسلمين من طرف, ويخدعوا المجتمع الغربي بتشويه نظرتهم للمجتمعات المسلمة.
(ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم).

أتفق مع الحل الذي طُرِح وأتمنى أن المشروع يبصر النور في أقرب وقت..



42800001